الأحد، 7 نوفمبر 2010

مؤتمر الخطوة الأخيرة بالسودان.. القدوة الأميركية

مؤتميمر الخطوة الأخيرة بالسودان.. القدوة الأركية

عبد الله علي إبراهيم




وردت في كلمة لي عام 1998 نشرتها مع أخريات في "نحو الصلح الوطني: الإرهاق الخلاق" عام 2004 عبارة لإداري بريطاني في السودان قال إن الشمالي، ابن الصحراء، متى بدأ رحلة ما، اعتبر بالخطوة الأخيرة فيها. أما الجنوبي، ابن الدغل، فهو يعتبر بالخطوة الأولى.

وقلت إن مثل هذه العبارة من حكمة أهل الشوكة مما يتصدق به المستعمر علينا نحن معشر المستضعفين ولا يهم إن صدقت أو كذبت. ومهما يكن فباستفتاء يناير/كانون الثاني القادم حول وحدة السودان نجد أنفسنا في الشمال والجنوب معا قبيل اتخاذ الخطوة الأخيرة: فإما وحدة وإما كيانان جديدان نبدأ بهما من الصفر.

هناك من لا يزال يعتقد أن بوسعنا تدارك هذه الخطوة الأخيرة لتمضي بنا في طريق الوحدة. ولن تجد مشروعا كامل الدسم لمثل هؤلاء المتفائلين وإنما هي أقباس منه منثورة هنا وهناك. وهي أقباس يرخى عليها ظل ثقيل متشائم يائس في الوحدة ظاهرا وباطنا.

"
بعد اجتماعات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الأخيرة في نيويورك كسب الانفصال غطاء دوليا, وعليه لم يعد المطلوب الآن التفاوض حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء بل التفاوض حول ترتيبات ما بعد الانفصال
"
فمن رأي الأستاذ خالد التيجاني، محرر إيلاف الاقتصادية، أن الانفصال قد كسب بعد اجتماعات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الأخيرة في نيويورك، التي "شرفها الرئيس الأميركي"، غطاء دوليا. وعليه لم يعد المطلوب الآن التفاوض حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء بل التفاوض حول ترتيبات ما بعد الانفصال.

قيل، في زمن كزمننا تتخطف المحن الناس، "أعصر" على المتفائلين (تعبير سوداني معناه مِل نحو المتفائلين أو اجنح نحو المتفائلين)، لأنه حتى بهم لن تكون المهمة أقل عسرا. وربما شجعنا على تفاؤل الأصائل هذا قول الأستاذ محمد إبراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي، إننا معشر السودانيين نسوّف ولا نستعد إلا في اللحظات الأخيرة. وحتى إن لم يصدق قول نقد فينا فقد يسعفنا قول الشاعر ورجل الدولة أحمد محمد صالح من جيل الحركة الوطنية:

لم يبق إلا القليل يا وطني** فهل أرى فيك أمة تثب

وهذه الوثبة المستحيلة ما يحاول متفائلو الساعة الخامسة والعشرين اجتراحه باقتراحات لما يمكن عمله قبل أن نأخذ الخطوة الأخيرة القاتلة.

فالمؤتمر الوطني الحاكم نفسه يكثر من الدعوة لاصطفاف القوى السياسية لصياغة دستور جديد في البلاد. جاء هذا على لسان مصطفى إسماعيل، مستشار الرئيس، في مدينة عطبرة 5/10/2010. وقبل بإشراك الأحزاب، التي وصفها بالضعف، في إعداد دستور وهيكلة للدولة تتيح التعددية السياسية وتهيئ لبناء قاعدة اقتصادية حقيقية.

من جهة أخرى عرض الطيب زين العابدين، المحلل السياسي الإسلامي المستقل، في ندوة قريبة بأديس أبابا ثلاثة سيناريوهات للعلاقة مستقبلا بين الشمال والجنوب. الذي يعنينا منها هو السيناريو الناظر إلى وحدة سياسية للسودان على أسس جديدة متفق عليها تضمن في الدستور القادم بضمانات دولية.

ولن يلغي هذا الإجراء الاستفتاء الذي سينعقد في موعده شريطة أن تدعو الحركة الجنوبيين فيه للتصويت للوحدة. وهو سيناريو يقبل به وليد حامد القيادي بقطاع الشمال بالحركة، فمن رأيه أننا لن نخرج من الشحن العاطفي المؤسف الحادث الآن إلا بالتواثق عند مشروع وطني متفق عليه. وهو لا يرى غضاضة حتى في تأجيل الاستفتاء نزولا عند هذا الميثاق الوطني (الأحداث 5/10/2010).

من الجهة الأخرى تجد سياسيين آخرين بلورا تواثق أصيل السودان هذا في صيغ أدق وأنضج. فقال لام أكول، زعيم الحركة الشعبية (التغيير)، إن السودان محتاج ليدخل مطبخا سياسيا (كتشن) لصياغة نظام جديد للحكم يؤسس للحريات طالما كانت الوحدة خيار السودان (لام أكول (9-/10/2010). ومن هذه المشروعات التي خرجت من العمومية إلى التفصيل ما نادى به السيد الصادق المهدي (الأحداث 30/9/2010). فقد دعا إلى قمة سياسية فورية تكون قراراتها بالتراضي يدعو لها السيد ثابو مبيكي، رئيس لجنة حكماء أفريقيا بشأن السودان، في أكتوبر/تشرين الأول.

ومن رأيه أن مهام هذه القمة إخراج استفتاء نظيف، وإنفاذ إصلاحات لترجيح خيار الوحدة، وتدبير علائق خاصة بين الشمال والجنوب حال الانفصال، والنظر في مطالب الأسرة الدولية منا مثل حكم المحكمة الجنائية والمقاطعة، ومسائل التحول الديمقراطي شمالا وجنوبا.

واقترح الصادق لحضور هذه القمة البشير، الرئيس، وسلفاكير وريك مشار من الجنوب، والصادق ونقد وكمال الأمين (من مؤتمر الترابي الشعبي) عن أحزاب المعارضة ومني أركو ميناوي من قيادات دارفور ومندوب من شرق السودان.

واتصفت مذكرة اللجنة السودانية للشؤون العامة (23/9/2010)، وهي لوبي سوداني بأميركا، بالوضوح أيضا في ما يجب عمله حيال هذا الميثاق الجديد للوطن، ففي رسالتها للرئيس أوباما دعت إلى عقد مؤتمر دستوري شامل تشارك فيه كل الأطراف السودانية ومنظمات المجتمع المدني للاتفاق حول دستور يتراضى به جميع السودانيين: يلتزم العدالة، وحكم القانون، والرشد بتوزيع الثروة، والتنفيذ الجاد لاتفاق السلام بتركيز على شق الحريات.

من المؤسف أن سياسيين ممن حسن ذكرهم وسابقتهم في الشأن الوطني لم يتفقا مع حساب الخطوة الأخيرة أعلاه. فقد اشتم علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية ورسوله إلى الجنوب في مشروع المؤتمر القومي أو الدستوري "قالبا تقليديا" للمعارضة لم نحقق من ورائه شيئا.

وعليه خلت دعوته القوية للقوى السياسية والمواطنين الانتظام حول راية الوحدة من "جذرة"، في لغة المسألة السودانية، مؤسسية تكفل لهم مساهمة مستقلة وفعلية تؤمن الوحدة في سياق تحول وطني ديمقراطي. ومن أسف أن رجلا بقامة علي وملكته يدعو القوى السياسية من فوق رؤوس البيوت لـ"حملة قومية تسمع صوت الوحدة للمواطنين الجنوبيين" وصوتهم هم أنفسهم همل.

وفي الجانب الآخر نجد أن علي محمود حسنين، الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، زهد من الإصلاح في بيئة دولة الإنقاذ فكوّن، بمبادرة شخصية، جبهة، سماها "عريضة"، لإسقاط النظام. فهو يدعو لاصطفاف وطني للإطاحة بالرئيس البشير، لأن ذلك هو الطريق القصير لوحدة سودانية حقة.

للخطوة الأخيرة نذر مستطيرة صارت بها عبارة شكسبير "أن نكون أو لا نكون" على كل لسان. وأتى الطيب زين العابدين بسيناريو لما بعد الانفصال في السودان يستوجب اليقظة. فالحرب قد تعود بين الشمال والجنوب بسبب الاختلاف على 20% من الحدود بينهما. ولم نتفق بعد في منطقة أبيي، المقرر أن تخضع لاستفتاء حول انتمائها للشمال أو الجنوب، على من يحق له التصويت في "شورتها".

"
ربما تحولت المشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بشأن انتماء الولايتين للشمال أو الجنوب، بذرة لتمرد جديد, وسيقوي نموذج الجنوب المستقل نزوع دارفور والشرق إلى حقوق أوسع قد ترتفع إلى سقف الاستقلال
"
ولذا قال سلفاكير، النائب الأول لرئيس الجمهورية، إنها ربما كانت فتيلة الحرب القادمة. من جهة أخرى لربما تحولت المشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، التي سيقرر مجلساهما التشريعيان انتماء الولايتين للشمال أو الجنوب، بذرة لتمرد جديد وسيقوي نموذج الجنوب المستقل نزوع دارفور والشرق إلى حقوق أوسع قد ترتفع إلى سقف الاستقلال. وقال زين العابدين إن تلك المهددات ستضع مستقبل السودان في كف عفريت: يكون أو لا يكون.

وهذا يوم لـ"آن أوان الشد فاشتدي زيم" لا يوم للتلاوم. فما يجدي أيا منا أو حتى التاريخ إذا قلنا كما كثر القول عندنا هذه الأيام، إن دولة الإنقاذ تتحمل وحدها وزر الانفصال وذيوله أمام التاريخ؟

فاليوم أمر لرباطة الجأش ولـ"قون" (هدف) الدقائق الأخيرة الذي يحلم به الجمهور في مباريات كرة القدم: قادة يخرجون بالأمة من الوعثاء إلى بر الأمان. ولن نشق طريقا في لم شعث الأمة قبيل الساعة الخامسة والعشرين لم يطرقه أحد من قبلنا. فلو عدلت الولايات المتحدة في تدبيرها للعالم لعرضت قدوتها علينا كمستعمرة سابقة لا كأمة مكملة ودولة إمبريالية تأمر فتطاع.

فقد واجهت أميركا بعد تحقيق استقلالها الوطني في 1787 محنة أشد أسعفها أيضا شكسبير بأن تكون أو لا تكون. فقد تهافت اتحاد ولاياتها الكونفدرالي، الذي تأسس خلال جهادها للإنجليز، وبانت عورة قوانينه الحاكمة. وبات البلد على شفا جرف هار.

اختلفت الولايات الثلاث عشرة الأميركية في ما بينها بعد وحدتها ضد إنجلترا. وكتب جيمس ماديسون، من الآباء المؤسسيين لأميركا، إلى توماس جيفرسون، سفيرهم في باريس، عن سوء الحال: الجيش يطلب أن يستعفي إذا لم توفر له الموارد والخزانة العامة مفلسة. ولم يعد بالوسع الاستلاف من المواطنين. والكونغرس يشكو من ابتزاز الشعب والشعب يشكو من تبذير الكونغرس ويشكو الجيش منهما معا. وتصرخ شؤوننا إلى إجراءات عالية النضج والاتساق.

وبلغ ضيق العيش بماديسون، عضو الكونغرس، درجة استلف مالا من جرائها وطلب عون والده لكي يعيش في فلادلفيا. بل قال لوالده إنه سيضطر إلي بيع زنجي مما ملكت يداه إن لم يزد الكونغرس مكافأته.

وخرج ماديسون في جماعة من الوطنيين الفدراليين للحفاظ على الأمة التي كانت على وشك الانفراط. فبدأ يدعو في الكونغرس الفدرالي بما لم تسمح به قوانين الكونفدرالية (1781) التي تواثقت عليها في وحدة تطلبها جهاد الإنجليز. فراح يدعو إلى تقوية الحكومة الفدرالية لفرض سلطانها على الولايات. وهي حكومة كان ضعفها مقصودا ودستوريا، فهي بلا جيش ولا تملك حق فرض الضرائب. فمتى دخلت حربا استدعت مليشيات الولايات بإذنها. وقد يأتيها جعلها من الضرائب التي تكفلت بها الولايات وقد لا يأتيها. وكان تعديل قوانين الكونفدرالية يقتضي إجماع الولايات.

"
واجهت أميركا بعد تحقيق استقلالها الوطني في 1787 محنة أشد, فقد تهافت اتحاد ولاياتها الكونفدرالي، الذي تأسس خلال جهادها للإنجليز، وبانت عورة قوانينه الحاكمة, وبات البلد على شفا جرف هار
"
وجاء المؤتمر الدستوري (1786-1788) الذي وحد أميركا إلى يومنا الراهن عزيمة من قادة لم يستسلموا لسيناريو ألا يكونوا. فتحرك ماديسون، في ترجمة قاري ويلس عنه، بين تشريعي ولاية فرجينيا وومونت فيرنون، دار جورج واشنطون رئيس الحكومة الفدرالية التي اعتصم بها ليتغاضى عن حكومته العاجزة، ونيويورك. فحمل تشريعي فرجينيا ليقف مع تقوية الحكومة المركزية في مؤتمر دستوري قادم، وأقنع واشنطون ليلقي بثقله بترؤس المؤتمر، وتحالف مع ألكسندر هاملتون في نيويورك للإتيان بنواب لتشريعي الولاية من أنصار تقوية المركز. وأخذ يكتب مع آخرين وينشر عن ميزة هذه التقوية بما ترك مأثورا يعرف بـ"الفدرالست" أي رسائل دعاة الفدرالية المتمكنة.

انعقد المؤتمر الدستوري في فلادلفيا بين 25 مايو/أيار و17 سبتمبر/أيلول 1787 بدعوة من الكونغرس الفدرالي استجابة للحاجة الصارخة إلى "اتحاد أكثر إتقانا". وتصارع فيه التيار الفدرالي مع التيار الذي غلب "ذاتية" الولايات ونادى بقيام اتحاد ضعيف. كان في الفدراليين الرجال المتعلمون ذوو اليسار والسابقة في النضال ضد الإنجليز مما سوغ لهم الارتفاع فوق دقائق الولاءات المحلية إلى الولاء الوطني مثل واشنطن وهاملتون وماديسون وفرانكلين. وخدموا كلهم كدبلوماسيين وإداريين وقادة خلال حرب التحرير.

كانوا أصغر سناً من أمثال صموئل آدمز وغيرهم ممن لم ينسوا سوءات الحكم الاستعماري الممركز. فلم يكن الفدراليون يخشون على مصلحة الولايات من سلطان الحكومة المركزية. كانوا، كما تقول إنسيكولبيديا أميركانا، دارسين لماحين لتجربة بلدهم والحوكمة المقارنة طامحين في توطيد بنيات لجمهورية مستدامة لتحقق السيادة الوطنية.

وكان المؤتمر ساحة تفاوض ومساومات كبرى حول خطة الحكومة المركزية القوية. التي اعترضت عليها الولايات الأصاغر خشية أن تبتلعها الولايات الأكابر. وقال ممثل نيوجيرسي الصغيرة إنه "ليفضل أن يخضع لملك وظالم من أن يلقى مصيرا قاتلاً لولايته تحت تراتيب ماديسون الجمهورية الفدرالية.

وجرى تأليف الولايات الأصاغر بخطة ولاية كونتيكت (المعروفة بالمساومة الكبرى) التي كفلت للولايات جميعا أن تمثل بعدد متعادل في مجلس الشيوخ، بينما يقتصر الاعتبار بعدد السكان في انتخابات مجلس النواب وفرض الضرائب. وسيؤخذ ثلاثة أخماس الرقيق لدى التعداد. ومنح المؤتمر مجلس النواب حق النظر في تشريعات المال.

واتفقت للمؤتمر مساومات أخرى وبعضها لا حق لإجازته في شكل تعديلات استكملت عدته لا نريد لها أن تستوقفنا هنا. وهكذا استنقذ قادة رابطو الجأش مثل ماديسون وطنهم من التفرق يوم اختاروا أن يكونوا لا ألا يكونوا. ولا أعرف من وقف عند هذه اللحظة الفاصلة المفاصلة مثل أليكس توكفيل في كتابه "الديمقراطية في أميركا". فقد ميز الشجاعة التي حدت بالقادة لفض أمتهم القديمة لصياغتها بصورة أمثل قائلا:

"إذا اقتربت أميركا (مهما قصرت مدة ذلك الاقتراب) ذؤابة المجد السامقة، التي يصبو لها خيال كل أمة فخور، فهو في تلك اللحظة الجليلة التي خلعت السلطة الوطنية الفدرالية نفسها بنفسها عن سلطانها. التاريخ حافل بمشاهد أقوام بذلوا الرخيص والغالي لنيل استقلالهم، ولكن جهد الأميركان للتحرر من نير الإنجليز خالطه غير قليل من المبالغة.

فقد حاربوا خصما تفصلهم عنه 3000 ميل من البحر وأعانتهم عليه قوى أخرى مانعة. وعليه فنصر أميركا على الإنجليز مردود إلى وضعهم الجغرافي أكثر منه إلى شجاعة جيوشهم أو حمية مواطنيها الوطنية. فمن العبث أن نقارن الحرب الأميركية بحروب الثورة الفرنسية أو مقابلة همتهم بهمة الفرنسيين الذين واجهوا حربا تناصرت عليهم فيها أوروبا كلها.

"
انعقد المؤتمر الوطني الأميركي واستطال نقاشه الناضج ليعرض على الأمة التشريعات التي اتفقت لهم حتى تقبل بها, وهي التشريعات التي لا تزال تحكم أميركا وأجازتها الولايات تباعا
"
ولم تجد فرنسا معينا أو حليفا وأثقلها قلة المال وتعذر الدائن فدفعت بعشرين في المائة من سكانها للتصدي للمغيرين وحملت بيد واحدة شعلة الثورة إلى خارج حدودها بينما كانت تخمد باليد الأخرى الحرائق الداخلية التي كانت تنخر في قماشة البلد. ولكنه من الطريف في تاريخ المجتمعات أن ترى أمة عظيمة تنظر ببرود إلى نفسها بعين فاحصة حين اتفق لمشرعيها أن عجلة الحكومة الاتحادية قد وحلت. من الطريف أن نرى مثل هذه الأمة تنفذ بنظرها بعناية إلى مقدار الشر الذي اكتنفها وأن تنتظر بصبر لعامين طويلين حتى وجدت الدواء للداء الذي نهشها بغير أن تكلف الإنسانية قطرة من دمع أو دم".

حين وضح قصور الدستور الأميركي الأول انتفعت أميركا بمزدوج: الهدوء الذي أعقب الثورة وقيادة أولئك الرجال العظام الذين صنعتهم الثورة. وكانت الجمعية التي قبلت بمهمة وضع الدستور الثاني قليلة العدد وترأسها جورج واشنطون واحتوت على رجال من أنبل من ظهروا في العالم الجديد شخصية وأذكاهم ذهنا.

فانعقد المؤتمر الوطني واستطال نقاشه الناضج ليعرض على الأمة التشريعات التي اتفقت لهم حتى تقبل بها, وهي التشريعات التي لا تزال تحكم أميركا وأجازتها الولايات تباعا. واستأنفت الحكومة الفدرالية وظائفها في 1789 بعد عامين من التوقف.

هل يضمر دعاة مؤتمر الخطوة الأخيرة عزيمة في صدق وقوة تلك التي تفتق عنها الآباء الأميركيون؟


المصدر: الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق